الروائية والقاصة الواعدة إسراء الديك يطرح لها في معرض القاهرة للكتاب 2018 المجموعة القصصية “خدوش على جدار الحياة” الفائزة بالمركز الأول في النشر الإقليمي ، وتناقش
المجموعة في قضايا اجتماعية وسياسية.
وتحت عنون ” إسراء الديك والمقوِّمات الفنية للسرد” كتب جمال الدين عبد العظيم ( شاعر وباحث):
أعدّت نفسها لتكون ذات شأن في عالم الكتابة الأدبية ؛ فحرصت على أن تثقّف نفسها بالاطلاع على النماذج السردية الرفيعة لأقطاب هذا الفن كنجيب محفوظ ويوسف إدريس ومحمد جبريل ، كما حرصت على الاختلاف إلى المنتديات والمحافل الأدبية ؛ لعرض محاولاتها الأولى في الإبداع ، والاستماع لآراء النقاد والدارسين فيها ، فتجوّد ، وتعدّل ، وتنقّح ، وتحاور، وتجادل ، وتُقنع غيرها ، أو تقتنع هي ،
وآثرت أن تؤسّس لموهبتها ، بدراسة جامعية للأدب العربي واللغة العربية ، كلّ تلك المجاهدات والمهارات والملكات مرعيّةٌ في ظلال أبيها الشاعر الكبير الأستاذ محمد عبد العليم الديك ….
فَلِمَ لا تبشّر إرهاصاتٌ كهذه بموهبة واعدة هي القاصة الشابة إسراء الديك ؟
هي موهبة تمتلك كل المقومات الفنية للسرد ؛ لتصبح واحدة من أهم الأقلام الأدبية المصرية مستقبلا ، شريطة عدم الركون للإطراء……..ومن يقرأ باكورة أعمالها القصصية : مجموعة ” خدوش على جدار الحياة “- يتيقّن من صدق موهبتها وامتلاكها لمقومات السرد ومنها :
أولاً : – الرؤية الفنية …
أي الأدوات الخاصة التي تبلور تجربتها ووجهة نظرها المستترة في ثنايا السرد..
وأهم تلك الأدوات : اللغة المكثّفة ..تلك اللغة التي لا تُبقِي إلا على الألفاظ الضرورية ، لتصوير المشهد القصصي ، وإبرازه في صورة نسق لُغوي مُصَفَّى ؛ حتى إن القارئ ليس بإمكانه حذف مفردة أو إضافة أخرى – إلا ويترتّب على ذلك تضحية بإحدى فنيات السرد وجمالياته…ومثال على ذلك أقصوصة ” اختلفت النظرة” ص11
ثانياً : – الوعي الانتقائي في السرد …
ليس كل ما يشاهده الكاتب صالحاً لأن يكون مادّة فنية سردية ..فإن الكاتب يرى الكثير من تفاصيل الحياة ، ويشاهد ما لا يُحصى من جزيئات العالم ..لكنه حينما يخلو بذاته ليبدع – يُسقِط الكثير مما رأى ، ويُهمِل العديد مما شاهد وأخيراً …يُبقي على القليل ، ويبلور الأقلّ في رواقه السردي ؛ لينفث فيه من روح إبداعه ودفء إنسانيته …
إذن الوعي الانتقائي من أهم سمات السارد الموهوب ..وهكذا هي إسراء الديك
ففي قصة ” دمعة ” ..نرى مكوّنات المشهد القصصي متعدّدة : من الرجل حامل صندوق القمامة ، إلى بعض الكلاب ، حتى الطفل البائس المترقِّب لكيس الطعام بيد الرجل حامل الصندوق ..الشارع كان مليئاً باللقطات الإنسانية ؛ فتخيَّرت إسراء منها هذا المشهد السابق ( انتقاء أول) …بعد ذلك نجحت في الانتقاء الثاني : وهو الرجل حامل الكيس ..إلى أن توصّلت إلى الانتقاء الثالث : وهو مشهد الطفل الذي لم يتبق له إلا قطعة عظم يمسحها بملابسه لتسدّ رمقه ؛ فالكلاب سبقته إلى ما في الكيس من بقايا طعام..
. إن الكاتبة الموهوبة لديها سمة الوعي الانتقائي في السرد ، والانتقاء لديها تدريجي ومتصاعد كما رأينا ….إنها تجيد انتخاب ” التفصيلة ” الإنسانية الملائمة لرؤيتها ، وتتقن الإمساك باللحظة المناسبة لأن تتعمّقها وتبثّها رسالتها الفنية ، حتى وإن أحاطتها مقتضيات التجربة السردية – بغبار من التفاصيل وركام من الجزيئات
ثالثاً :- ثقافة الكتابة الأدبية ..
إسراء الديك …تمتلك تلك الثقافة …بمعنى أنها تدرك لمن تكتب؟ وكيف تكتب ؟ فهي لم تتردَّ في ذات الشَّرَك الذي تردَّت فيه أقلام نسائية كثيرة ، فهنالك كاتبات استقطبهنّ إحساس بالاستقواء الذكوري ، واستسلمن لهذا الإحساس في إبداعهنّ …
اللافت في أمر إسراء الديك أنها نأت بموهبتها عن هُوَّةٍ أودت بموهبة كاتبات عديدات ، آثرن التعبير عن المرأة المستَقوَى عليها من الرجل فحسب ، ودُرْنَ في حلقة مفرغة ، دمغت أعمالهن بالتشابه والنمطية .
أما القاصة الشابة فقد اختطت لنفسها سَمْتاً مغايراً ، و اختارت أن تعبّر عن دخيلة الإنسان ، رجلا كان أو امرأة …
رابعاً : – الهمّ الفني والأدبي ….
قد تتوافر لذي الموهبة كل مُحفِّزات الفن وعوامل الإجادة ولكنه لايمتلك ” الهَمَّ الفني والأدبي” الذي هو بمثابة وَقُود التجربة الإبداعية….وبدون هذا الهمّ الفني ..أعني إحساس الفنان بأن هناك ” قضية ما ” يجب أن يعبّر عنها في فنه – وبدونه…يتجه القاص أو الكاتب إلى تفاصيل وهوامش وجزيئات لا تشكّل صُلب حياة الإنسان ، ولا تمثّل ضرورة اجتماعية أو إنسانية ؛ بل هي من قبيل الغثاء الفني – إن جاز هذا التعبير –
فيذهب ما كتبه أدراج الرياح …
ولكن إسراء الديك لديها هذا الهمّ – بل تنوء بتحمّله وحِمْله؛ فهي معنيِّة بداخل الإنسان وحقيقة مشاعره وحقيقة من يحيطون به ،
ففي قصة ” صورة ” ….انسحبت الفتاة القصيرة من إطار الصورة ، رافضةً أن تتواجد بها عند التقاطها ؛ لأنها وجدت في الصورة السابقة ” طرف طرحتها ” وليس ” وجهها ” وكأن ذلك احتجاج من الفتاة على سوء طالعها في الحياة …لاحِظْ : كيف أن القاصة أمسكت باللقطة الإنسانية البسيطة واللحظة العفوية العادية وطرقت عليها ؛ لتمنحها عمقاً وامتدادا وعبقاً برائحة هموم الإنسان …
إسراء الديك …..تذكّروا هذا الاسم جيداً ..إنها تطرق باب القصة القصيرة بقوة ؛ لتنبّه الجميع لصدق موهبتها , وتفرُّدها ، ولكونها راغبة في التميُّز وحفر اسمها بجوار كبار كُتاب القصيرة في مصر والعالم العربي بمشيئته تعالى …