من المفاهيم المهمة اليوم فى فقهنا ما يسمى : بفقه الأولويات.وهو وضع كل شئ فى مرتبته بالعدل ، يقدم الأولى فالأولى، بناء على معايير شرعية صحيحة. وقد كان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم حريصين كل الحرص على أن يعرفوا الأولى من الأعمال، كى يتقربوا إلى الله تعالى ، ولهذا كانوا يسألون عن: أفضل الاعمال وأحب الأعمال إلى الله، مثل : أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح.وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. ولهذا فإن المصريين اليوم فى زمن الوباء أن يعودوا إلى فقه الأولويات ، لأن من نظر إلى حياتنا فى جوانبها المختلفة، مادية كانت أو معنوية ، فكرية أو اجتماعية، اقتصادية أو سياسية، وجد ميزان الأولويات فيها مختلا كل الاختلال.إن على المصريين اليوم أن يوجهوا نفقات الحج والعمرة، وحفلات الزفاف ، وسرادقات العواء ،إلى إعانة إخوانهم الذين لا يملكون شيئا ،فإن من تبرع فى هذا المجال كان كمن أدى الحج والعمرة، أو بنى مسجدا ،فبناء الرجال عند الكثير منا مقدم بناء الأحجار. فإحسان العمل فى فى الإسلام ليس نافلة ، بل هو فريضة كتبها الله تعالى على المؤمنين كما كتب الحج والعمرة. إن تبنى هموم ومشاكل الناس كانت مع دعوات الأنبياء والرسل السابقين . فهذا نبى الله شعيب يتبنى هموم ومشاكل المحتاجين ( ألا تتقون . إنى لكم رسول أمين. فاتقوا الله وأطيعون ) . وهذا نبى الله يوسف عليه السلام يتبنى هموم ومشاكل الناس فى السنين العجاف ، ويقول للملك ( اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم ). وإسلامنا يتوعد بالويل من يمنع الماعون فى حالة الاستطاعة عمن يحتاجون إليه( أرأيت الذى يكذب بالدين . فذلك الذى يدع اليتيم . ولا يحض على طعام المسكين.). ولذلك قال ابن الجوزى فى تفسير قوله تعالى : ( ولا يحض على طعام المسكين) ، أى لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه ، فالعقاب لم يكن فقط لأولئك الذين يمنعون الماعون وهم قادرون عليه ، ولكن عمّ أيضا أولئك الذين لم يُنهضوا القادرين، ويحثوهم على بذله ..إن ديننا غرس في نفوس أتباعه التكافل والتراحم والتعاون ، وجعل عدم الانخراط فى هذه الأوامر الإلهية تكذيبا بالدين ، بل جعل الله تعالى اجر من يتصدق في أوقات الأزمات ، والكوارث أجر الشهيد ، بل أجر من يحج ويعتمر وزيادة. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبرانى عن ابن عمر قوله صلي الله عليه وسلم: لأن أمشى مع أخ فى حاجة أحبّ إلىّ من أن اعتكف في هذا المسجد شهرا . يعنى مسجد المدينة. ألم يقل صلى الله عليه وسلم: الساعى على الارملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله . ولذلك سار صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا المضمار ، أبو بكر الصديق ينفق ماله كله ، ويقول له الرسول: ما أبقيت لأهلك؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله.
