ربما لم تكن أسطورة ” نارسيس ” من وحي الخيال , عندما رأيت ” عبده ” منذ أيام , لم أجد اختلافا كبيرا , التقيت بطلا جديدا للأسطورة القديمة. عرفته مختالا بنفسه , واثق الخطوة , تجسدّت فيه معاني الذكاء, الطموح. الوحيد بين جيلنا الذي أتقن أكثر من لغة , مع سعة إطلاع كنّا نحسده عليها ,تُشعرنا بضآلتنا.
سعينا إلى الاقتراب منه , في وقت كان هو أكثرنا حرصا على النأي بنفسه بعيدا , حافظ على مسافة لا تزيد و لا تنقص, حديث يتدفق من أعلى لأسفل , حديث العبقري بين ثٌلّة من سُذّج لا حول لهم و لا قوة .وقر بنفوس بعضنا أن غبنا وقع عليهم , عدالة غابت عنهم , فاستسلموا لقدرهم يطحنون تحت أضراسهم خيبة الأمل و قلّة البخت .
رأيته اليوم بشارع ” البوسطة ” حافي القدمين , تنسدل لحيته , شعر رأسه بكثافة, رث الثياب , يهذي بعبارات مبهمة , عرفني هو , فأقبل يسلّم بأطراف أصابعه و بقايا خُيلاء واضحة بعينيه .
سألني : ما أخبارك ؟ ما فعلت الحياة بك ؟ أين أنت الآن ؟
صمتّ كعادتي حينما أعجز عن الرد, فأطرقت برأسي , لذت بالعبارة التقليدية ” الحمد لله , تمام ” و أنت ؟!
تجاهل سؤالي , ربت على كتفي بيده اليسرى و الأخرى تعبث بجيب بنطلونه الذي لا يتجاوز قصبة ساقيه طولا , قال : آلمني أن بعض الزملاء لم يحالفهم التوفيق في حياتهم , أرقبكم وأتتبع أخباركم , ثم نظر في عيني عميقاً , مط شفتيه ولعابه ينحدر ببطء على ذقنه, : اجتهد ياعزيزي, فحقاً لكل مجتهد نصيب